وجوه طانيوس شاهين
محمد
حجيري
مع
اطلاق حركة طانيوس شاهين، عاد الجدل حول هذه الشخصية التاريخية، خصوصاً على صفحات
الفايسبوك. شخصية شاهين التي موضع تأويلات وجدل حول ادوارها في التاريخ اللبناني، وهذا الأمر في بعض الأعمال المكتوبة التي صدرت اخيراً
وتناولت بطل العامية الشهيرة، وتفاوتت بين كتاب بحثي عنوانه "طانيوس شاهين، من
منازلة الإقطاع إلى عجز الثورة، 1858-1859-1860" للصحافي انطوان سلامة عن دار
النهار، ورواية "جمهورية الفلاحين" للكاتب الفرنكوفوني رمزي سلامة ترجمة
ماري قصيفي عن دار "سائر المشرق"، ومسرحية "الفلاح العظيم"
للمخرج المسرحي الراحل يعقوب شدراوي، هذا دون أن ننسى أن بعض الكتب تناولت جزئياً
طانيوس شاهين مثال كتاب "حرير وحديد" لفواز طرابلسي (دار الريس) و"رواية
بيروت" لألكسندر نجار(دار الساقي).
وتناول
شخصية طانيوس شاهين في التاريخ اللبناني، يشبه تناول شخصيات يوسف بك كرم والأمير
فخر الدين وحتى الكثير من الشخصيات السياسية المعاصرة من بشير الجميل الى رفيق
الحريري، فهي موضع خلاف ولا تتسم على سمت واحد وصورة واحدة ومعنى واحد، من عنوان
مسرحية يعقوب شدراوي ندرك أن المسرحي اللبناني يتعاطي مع ثورة طانيوس شاهين من منطلق
مثالي، وتتجلى المثالية في الحداء الذي يقدمه شدراوي في المسرحية وهو يقول: "فرنسا
أم الدنيي عموم/ اعتزو يا لبنانيي بطركنا هوي السلطان وما بدنا عسملية ـ طانيوس انت
الزعيم والبقية حرامية". والحال أن شدراوي أراد أن يعيد
الاعتبار لطانيوس شاهين، فكتب مسرحية عنه حاول من خلالها أن يوصّف المناخ الذي كان
سائداً في تلك المرحلة، حيث تتشابك في المسرحية مجموعة من الشخصيات، من بطريرك ومطارنة
وخوارنة وفلاحين رجالاً ونساء، ومقاطعجية، وبعض الاسماء التي تعكس جوانب من تلك
المرحلة، بينها رسانيوس و"الزمك" ومخايل والشيخ والتاجر وألماظ هانم والسلطانة
وحرملك قصر السلطان وبكري وود الريس وحقي باشا وبطرس وسجعان وسليمة وبربارة وحميدة.
مثالية
شدراوي في المسرح، تختلف عنها واقعية انطوان سلامة في بحثه المبسط لتاريخية ثورة
طانيوس شاهين، اذ يقرأ الأحداث في سياق التدخلات الخارجية والنزاعات الداخلية، المتصلة
بالتناقضات الاجتماعية والطبقية والاقطاعية، خصوصاً في ظل سيطرة إقطاع آل الخازن وحبيش،
والظلم الذي أذاقوه للعامة والفلاحين. فكانت ثورة شاهين التي تكثر تشعباتها
وتأثيرات المحافل الدولية في تحريكها وفي اخمادها على حد سواء. وعلى رغم اختلاف المؤرخين
في وصف شخصية طانيوس شاهين، إلا أنهم يجمعون على الحقد الذي كان يكنّه لاقطاع آل الخازن،
ولما لاقاه وعائلته شخصياً من إذلال على يدهم. أفاد شاهين من الالتفاف الشعبي حوله،
وتناغم مع الأتراك والإنكليز تأمينا للحماية الدولية، وأوحى برضى بعض الاكليريوس
الديني. في مسار الاحداث التي انهزم فيها الاقطاعيون أمام قوات شاهين، لكن حكم
الفلاحين لم يكن مثالياً، يصف الكاتب هذه الفترة بالقول: "انتشر الفساد في جمهورية
طانيوس شاهين، والخوف وعدم الأمان والبطالة. اهتزت الثقة بين الناس، سادت البلبلة،
والتقية والحذر، والتشكيك بالآخر. انهارت المنظومة الأخلاقية التي تشد أواصر الاتحاد
الاجتماعي والعائلي والطائفي". لذا لم يكن غريباً أن يسعى الخازنيون إلى "ثورة
مضادة" ضد طانيوس شاهين، مستفيدين من الحال البائسة لسلطته، وكانت نهاية
شاهين سياسياً على يد الماروني الطامح سياسياً والآتي من الشمال يوسف بك كرم الذي
يعتبره بعض ابناء جماعته مخلصاً.
يعيد
انطون سلامة تركيب النص السردي لثورة الفلاحين من شهادات معاصريها، ووثائق متفرقة
منها وثيقة الاب اللعازاري المجهول الاسم الكامل في معهد عينطورة(كسروان)، أما
رمزي سلامة فيعود في "جمهورية الفلاحين" الى الفترة نفسها ليكتب روايته مستبعداً تواريخ ومضيفاً إليها نفساً روائياً
بلغة تقرب التاريخ من الواقع المعيشي مجازياً وكنوع من رابط نسبي للحاضر مع الماضي
التاريخي. تدور الرواية حول قصة الياس الذي ترك موقعه في المستشارية الفرنسية بعد وفاة
شقيقه ليلتحق بالثورة في جبل لبنان ويكون خلال الثورة محركاً رئيسياً واليد اليمنى
لطانيوس شاهين زعيم الثورة، ومشاركاً بالمفاوضات مع سلطات الانتداب الفرنسي. (لنتذكر
أن "رواية بيروت" لألكسندر نجار تبدأ من سيرة روكز، الترجمان في القنصلية
الفرنسيّة، المتورّط في ثورة طانيوس شاهين، ويتصاعد سياقها من دون بلوغ ذروته مع الياس،
الطبيب البيروتي، ليبلغ النهايات مع فيليب، أحد أحفاد روكز، الذي يأخذ على عاتقه مهمّة
السرد الطويل لوقائع تستقيم الصلات فيما بينها لحظة سردها).
في
بعض الدراسات اللبنانية، تتفاوت النظرة إلى طانيوس شاهين، بين تقديمه بطلاً أسطورياً
محرراً للفلاحين كما يتبين في أدبيات بعض الكتاب اليساريين والشيوعيين، وبين تقديمه
قاطع طرق ودمية في يد الخارج. فالمؤرخ كمال الصليبي يرى فيه مجرد خرافة و"بهورجي"
ومتوحش وجبان خلف بوعده في مساعدة أهل زحلة وتركهم يلاقون عدوهم منفردين، فأحرقت مدينتهم
وشردوا بسببه. أما فواز طرابلسي فيعتبر أن "شخصية طانيوس شاهين معقدة كالمرحلة
التي عاش فيها، لذلك تستوجب دراسته مزيداً من الاكتشافات"، وبصرف النظر عن توصيف
الرجل، فإن تلك المرحلة التي احتل فيها موقعاً، كانت من المراحل المهمّة التي أسست
للكيان اللبناني في شكله الحالي.